في خطوة غير مسبوقة، أطلقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) “ميثاق الرياض لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، وهو أول إطار عالمي يُعنى بضبط تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الدول الإسلامية وفق قيمها وثقافتها.

يهدف الميثاق إلى تقديم مرجعية أخلاقية واستراتيجية تضمن توازن الابتكار التكنولوجي مع الحفاظ على الهوية الثقافية الإسلامية، مع التركيز على حقوق الإنسان، الكرامة، الخصوصية، والتضامن الاجتماعي. كما يسلط الضوء على أهمية الأسرة والقيم العائلية في توجيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي داخل المجتمعات الإسلامية.

الدول المعتمدة والجهات المشاركة

اعتمدت الميثاق 53 دولة إسلامية خلال الدورة الـ45 للمجلس التنفيذي للإيسيسكو، بحضور ممثلين عن سدايا السعودية، وعدد من العلماء والمختصين في الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات. وأكد المدير العام للإيسيسكو، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن الميثاق يُعد بوصلة أخلاقية لترشيد استخدام الذكاء الاصطناعي بما يخدم التنمية المستدامة ويحافظ على القيم الإسلامية.

محاور الميثاق الأساسية

يرتكز الميثاق على عدة محاور أساسية، من أبرزها:

الحق في المعرفة والحقيقة: ضمان دقة المعلومات وعدم التلاعب بالبيانات.

العدالة والإنصاف: منع التمييز ومراعاة المساواة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

التضامن والمسؤولية الاجتماعية: توجيه التقنيات لخدمة المجتمع ومواجهة التحديات العالمية.

الحفاظ على الهوية الثقافية: تعزيز القيم الإسلامية والعربية في تطوير التكنولوجيا الحديثة.

التدريب وبناء القدرات: إعداد الشباب المسلم وتمكينهم من فهم وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يتوافق مع المبادئ الأخلاقية.

كما يتضمن الميثاق مقترحات عملية لإنشاء لجنة لمراقبة الذكاء الاصطناعي، ومبادرات لتدريب آلاف الشباب في الدول الإسلامية على علوم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.

أهمية الميثاق وتأثيره المستقبلي

يُعد ميثاق الرياض خطوة تاريخية في دمج الأخلاقيات والقيم الثقافية مع التقدم التكنولوجي، حيث يضع الدول الإسلامية على خارطة الابتكار الأخلاقي في الذكاء الاصطناعي. من المتوقع أن يسهم الميثاق في:

توحيد معايير الحوكمة الأخلاقية بين الدول الإسلامية.

الحد من المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي.

تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات في مجال التكنولوجيا.

وفي مؤتمر لاحق عقد في الدوحة، شدد ممثلون عن الإيسيسكو على ضرورة جعل الميثاق مرجعًا مشتركًا لجميع الدول الإسلامية، ليكون أساسًا لتطوير سياسات استراتيجية مستدامة تُراعي القيم الإنسانية والثقافية.

الخلاصة

ميثاق الرياض لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي ليس مجرد وثيقة تنظيمية، بل رؤية مستقبلية لدمج التكنولوجيا الحديثة مع القيم الإسلامية الأصيلة. إنه دليل عملي يضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة تخدم المجتمعات الإسلامية دون أن تفقد هويتها الثقافية، ويُمكّن الشباب من المساهمة بفاعلية في بناء مستقبل رقمي مستدام ومتوازن.